موضوع حول البيئة ملخص
العلاقة بين البيئة وحقوق الإنسان وموقع ذلك في تعاليم الإسلام
رأينا الارتباط الوثيق بين البيئة وحقوق الإنسان . ومن منطلق هذا الارتباط الذي يكاد يبلغ حد التلازم نجد أصله ونعرض له من خلال أصدق وأدق المصادر التي تشكل المرجعية التي يلتقي عليها كل العقلاء فضلاً عن المؤمنين الذين يؤمنون بالله بارئا وبالقرآن هاديا وبمحمد داعيا. إلى صراط العزيز الحميد .
وإذن فإن حديث القرآن الكريم وسنة المعصوم عن البيئة وما يتصل بها هو حديث عن حقوق الإنسان ، وذلك من منطلق ان الانسان من حقه ان يعيش في بيئة نقية نظيفة خالية من كل ما يهدد حياته او يشكل خطراً عليه أو من حوله ممن تصله بهم وشائج او تربطه بهم اسباب .
وسأبين هنا بعض الجوانب الوثيقة الصلة بحقوق الإنسان في ضوء عناصر البيئة كما يعرضها الاسلام من خلال التصريحات والاشارات القرآنية التي تبرز هذه القضية في خريطة الفكر الاسلامي وتعاليم الدين الحنيف .
مصطلح البيئة في المفهوم الاسلامي
البيئة في الرسالة الخاتمة
البيئة هي كل ما خلقه الله وسخره للانسان في الارض …. وما ينظم العلاقة بينهم من توافق . فالقرآن الكريم يجعل الارض مستقراً للانسان وفق التقدير الالهي المحيط بالكون والانسان والذي يجعل الاستقرار قدراً مرسوماً لافلته عارضة . كما يجعل " التوافق " هو القاعدة . يتضح لنا هذا من الآيات القرآنية "28،30،36 من سورة البقرة " .
إذا كانت البيئة في المفهوم الوضعي هي كل مايحيط بالانسان من عناصر وكائنات مادية وغير مادية ، فإن البحث في ذلك تحت هذا العنوان بالذات –البيئة –غير مجد بل ومضلل والأقرب إلى الصواب هو اعتبار ان ما يحدثنا به القرآن عن الارض والسماء وما ينزل من ماء وما يجري من انهار وبحار وما يخرج من نبات واشجار وما يدب على وجه الارض من انسان وطير وحيوان .
إن وذلك في نظرنا هو المضمون الذي يقدمه الدين لمصطلح البيئة بصورة أشمل ومفهوم اوسع وهو في الوقت ذاته يقيم الدليل على ان الانسان من حقه ان يباشر نشاطه وان يعيش حياته دون مخاطر تهدد وجوده او تعوق طموحه ولن يتأتى له ذلك الا من خلال الضمانات التي قدمها الاسلام لصيانة هذه الحقوق ، باعتبار الانسان خليفة الله في الارض له اعتباره في النظام الكوني فخلافته في الارض تتعلق بضرورة العمل على عمارتها مستفيداً من الطاقات الموجودة فيها .
والبيئة من هذا المنظور تعني الارض التي نعيش عليها ، وقد وردت كلمة الارض في القرآن الكريم ما يقرب 545 مرة اولها قوله تعالى ( وإذا قيل لهم لاتفسدوا في الارض قالوا إنما نحن مصلحون ) البقرة . وآخر قوله تعالى في سورة الزلزلة ( وأخرجت الارض أثقالها ) الزلزلة .
إن القضية هنا ليست من قبيل الحديث عن مدن فاضلة ومثل عالية تحلق في الخيال ولكنها من قبيل الواقع الذي عاشه الانسان المسلم محافظاً على حقوقه التي أنعم الله بها عليه .
البيئة الاجتماعية باعتبارها جزءاً من البيئة
من يتدبر القرآن الكريم يجد ان عنايته بالبيئة الاجتماعية وتبيان مدى أهميتها البالغة للانسان وتوضيح مغبة اعتداء الانسان عليها ومن ثم حتمية حمايتها والمحافظة عليها . وعن رسم القرآن للعديد من الامم السابقة بأنهم مفسدون في الارض رغم سلوكياتهم حيال البيئة الطبيعية لم تكن سيئة في مجملها ، لكن ذلك نبع من اعتداءاتهم على البيئة الاجتماعية بالمفهوم الواسع ومثالاً على ذلك قوله تعالى : ( الم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الاوتاد الذين طغوا في البلاد فاكثروا فيها الفساد ) تأمل تجد النشاط العمراني والاقتصادي على اعلى مستوى ، لكنهم مع ذلك طغوا في البلاد طغياناً عقائدياً وثقافياً واجتماعياً وسياسياً واخلاقياً ، ونتج عن ذلك شيوع الفساد في الدنيا ، الشذوذ الجنسي " اللواط " إفساد في الارض ، الفساد السياسي هو إفساد في الارض ( فرعون علا في الارض وجعل اهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح ابناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين ) القصص ) ، السرقة إفساد في الارض ايضاً ( قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين ) يوسف ) والظلم في المعاملات المالية إفساد في الارض ( اوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس اشياءهم ولا تعثوا في الارض مفسدين ) الشعراء ) .
الاعتداء على البيئة منظور إسلامي
المصطلح الشائع في ادبيات البيئة هو الاعتداء على البيئة ، لكن هذا المصطلح لم يشع في الاسلام وبدلاً منه شاع مصطلح الافساد في الارض ، مع انه غير شائع في ادبيات البيئة المعاصرة ، ومن المهم هنا تحديد مفهوم هذا المصطلح الاسلامي وبيان صوره وابعاده ، ومن ثم مدى تميزه او اتفاقه مع المصطلح الشائع " الاعتداء على البيئة "
مفهوم الافساد : الافساد لغة إذهاب ما في الشيئ من نفع وصلاحية والفساد خروج الشيئ عن حد الاعتدال ، ويضاده الصلاح ، او هو تحول منفعة الشيئ النافع الى مضرة به او بغيره .
والافساد شرعاً لا يختلف عن هذا المفهوم اللغوي ، مع ملاحظة ان الشرع لم يحظر كل إزالة لصلاحية الشيئ ، وانما حظر فقط الازالة التي لايترتب عليها نفع او مصلحة اهم ، ولنعد التدبر في هذه الاية الكريمة : ( ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها ...) الاعراف ) ولنستمع الى ما يقوله المفسدون فيها ، يقول الرازي : النهي عن الافساد يدخل فيه النهي عن افساد النفوس بالقتل وغيره ، وافساد الاموال بالسرقة والنهب والغش وغيرها ، وإفساد الاديان ، وافساد الانساب ، وافساد العقول ، وذلك لان المصالح المعتبرة في الدنيا هي هذه الخمسة ، فقوله تعالى : ( ولا تفسدوا في الارض .. ) الاعراف ) منع من إدخال ماهية الافساد في الوجود ، والمنع من إدخال الماهية في الوجود يقتضي المنع من جميع انواعه .
فإن الافساد في الارض يشتمل على كل اعتداء على البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية ، لافرق في ذلك بين تلوث المياه والهواء وتلوث الافكار والقيم ، بل انه في الثانية أشد خطراً . إن محل التلوث في البيئة الطبيعية هو الاموال لكل محل التلوث في البيئة الاجتماعية هو الانسان ، وبالطبع فإن تلوث الانسان اخطر بكثير من تلوث الاموال . ان الانسان غير الملوث فكرياً واخلاقياً يحافظ على الاموال البعيدة عن التلوث ، اما الاموال فلا تحافظ على الانسان بمفردها .
صور الافساد في الارض : من هذا المفهوم الاسلامي لمصطلح الافساد فإنه يمكننا القول بثقة واطمئنان ان مصطلح الافساد يدل تماماً على مضمون مصطلح الاعتداء على البيئة ، ومن ثم يشمل تلك الصور الثلاث للاعتداء ، وقد سبق ان اشرنا الى ان الاسلام لايقر تعطيل البيئة ، وهنا ندلي بمزيد من البيان حول هذه المسألة .
الاعتداء على البيئة : وبداية تجدر الاشارة الى ان العلامة ابن خلدون قد أثار المسألة الدقيقة التي تذهب الى ان تعطيل المورد يؤدي الى تلوثه من جهة ، وزواله من جهة اخرى ، وقد مثل لذلك بالماء الراكد غير المستعمل ، وقد ابن خلدون قال الفقهاء ومنهم ابو يوسف والماوردي وابو يعلى انه لايصح ترك الارض عاطلة حتى لا تحول الى ارض موات ، أي ارض لامنفعة فيها ، ارض ميتة ، وليس ابلغ في التحريض على استخدام الموارد وعدم تعطيل البيئة من قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( من أحيا ارضاً ميتة فهي له ، وليس لمحتجر حق بعد ثلاث ) وفي رواية ( فلة اجر ) ، ولذلك يقول ابو يوسف : ولا ارى ان يترك الامام ارضاً لاملك لاحد فيها ولا عمارة حتى يقطعها ، فإن ذلك اعمر البلاد وأكثر للخراج . ومن هذا القبيل قول ابن حزم : ويأخذ السلطان الناس بالعمارة وكثرة الغراس ويقطعهم الاقطاعات في الارض الموات ، ويجعل لكل احد ملك ما عمره ، ويعينه على ذلك ، فيه ترخص الاسعار ، ويعيش الناس والحيوان ويعظم الاجر ، ويكثر الاغنياء ، وما تحب فيه الزكاة .
ب- الافساد في مياه البحر :
من اهم ما يمتاز به الاسلام انه وضع التشريعات للاحداث قبل ان تقع ، وتنبأ بظهورها قبل ان يتخيلها احد ، ومن هذا المنطلق نرى صدق القرآن الكريم فيما اخبرنا به من نبوءات بيئية ، كالفساد في البحر في الوقت الذي كان يخاف الانسان على نفسه ان يركب البحر في الوقت الذي وصف فيه عمرو بن العاص الناس في البحر ...... بأنهم دود على عود .